دورية نشر مجهولة ومركب كيميائي "وهمي" ونتائج مشكوك فيها.. متصدقش يكشف حقيقة اكتشاف باحث مصري لـ "طفرة في علم الأورام" تقضي على خلايا السرطان

Jul. 16, 2023 - علوم
دورية نشر مجهولة ومركب كيميائي "وهمي" ونتائج مشكوك فيها.. متصدقش يكشف حقيقة اكتشاف باحث مصري لـ "طفرة في علم الأورام" تقضي على خلايا السرطان
الباحث بكلية العلوم جامعة المنصورة، ماهر منير عقل
الإدعاء

خلال حلقة من برنامج "مصر تستطيع"، المذاع على قناة "dmc"، يوم 7 يوليو 2023، ظهر الباحث بكلية العلوم جامعة المنصورة، ماهر منير عقل، للحديث عما وصفه أحمد فايق، مقدم البرنامج، بأنه "بحث عالمي أصبح حديث الأوساط العلمية في العالم كله.. بداية أمل حقيقي في القضاء على السرطان".

ذكر مقدم البرنامج، أن البحث المنشور في مجلة "كانسر أدفانسيز Cancer Advances" قائم على نظرية "هتكون طفرة في علم الأورام"، ملخصها إن "الأبحاث وجدت إن الخلايا السرطانية تستهلك جلوكوز بشكل كبير، فكان هدفه الوصول لمادة تقضي على الخلايا السرطانية بربط الجلوكوز بمادة سامة".

وأضاف أن الباحث نجح في خلق جزيئات جديدة سماها "الجلوكوزيدين"، وهو "أول من حضرها، ووثق تأثيرها العلاجي على خلايا سرطان الثدي في 10 أيام".

بعد إذاعة الحلقة، نشرت عدة مواقع من بينها اليوم السابع والوطن، إشادات بالبحث ونقلت تصريحات الباحث.

نتيجة التحري

فريق #متصدقش، تواصل مع 6 أساتذة متخصصون في الكيمياء، والكيمياء الحيوية والفسيولوجي، والصحة العامة، بجامعات مصرية وأمريكية وكندية، وأرسل لهم ما نشره الباحث "ماهر منير"، لمعرفة رأيهم العلمي وحقيقة نتائجه، وهم:

جوزيبي جومينا: عميد كلية الصيدلة وأستاذ الكيمياء العضوية في برسبيتريان كوليدج "Presbyterian College" في ولاية كارولينا الجنوبية الولايات المتحدة الأمريكية.

كاثرين هانلون: أستاذ مشارك في العلوم الصيدلانية، ومديرة قسم الأبحاث في كلية الصيدلة في برسبيتريان كوليدج "Presbyterian College" في ولاية كارولينا الجنوبية في الولايات المتحدة الأمريكية.

ليونارد فوستر: أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة بريتش كولومبيا " The University of British Columbia" في كندا.

محاضر في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا في ولاية نيويورك الأمريكية.

أستاذ كيمياء عضوية في جامعة مصرية، وأستاذ فسيولوجي مصري يعمل في جامعة بالخارج تحفظنا على ذكر اسميهما وأماكن عملهما.

ماذا وجدنا؟

أجمع الباحثون الستة، أن ما هو منشور غير موثوق ونتائجه لا ترتقي لمستوى بحث أو دراسة أو ورقة علمية، ولا يمكن استخلاص نتائج منها، كما أن المجلة مغمورة، ولا تعد من دوريات النشر العلمي المعترف بها، وليس لديها مُعامل تأثير.

أولاً: أين نُشر؟

- ادعى مقدم برنامج "مصر تستطيع"، في الدقيقة 6:30 أن البحث منشور "في واحدة من أكبر الدوريات العلمية في العالم.. وبالتالي تحول البحث إلى حديث الأوساط العلمية في العالم كله".

الحقيقة: ⬇️⬇️

هذا الكلام غير دقيق.

جهة النشر هي مجلة Cancer advances التي تصدر عن مجموعة TMR ، التي تأسست عام 2017 مقرها مدينة أوكلاند ، بنيوزيلندا.

بحسب موقعها الإلكتروني هي مجلة رسمية لجمعية مكافحة السرطان في الصين.

صدر من المجلة 5 أعداد فقط منذ عام 2018 ، والعدد السادس قيد الإعداد، وتقبل نحو 55% من الأوراق أو الأبحاث المرسلة إليها، وتعطي القرار النهائي في النشر خلال 27 يوم، بحسب موقعها الإلكتروني.

اتفق الباحثون الستة الذين تحدث إليهم #متصدقش، على أن جهة النشر، تنتمي لفئة المجلات (غير الموثوقة Predatory Journals) وليس لديها مُعامل تأثير من الأساس.

"مُعامل التأثير" هو رقم معياري يقيم جودة المجلات العلمية، وكلما كانت المجلة مُحكمة، ارتفع معامل تأثيرها، وسيكون لديها هيئة تحرير تضم خبراء (الأقران) يراجعون ويقيمون الأبحاث المقدمة قبل قبولها للنشر.

ولا تتوفر هذه المعايير في الأبحاث المنشورة في مجلة Cancer advances، التي نشر فيها "عقل".

كاثرين هانلون، مديرة قسم الأبحاث في كلية الصيدلة في برسبيتريان كوليدج "Presbyterian College"، في الولايات المتحدة الأمريكية، قالت لـ#متصدقش إن دار النشر (TMR) التي تُصدر جورنال Cancer advances مدرجة في قائمة "بيل Beall" التي تضم المجلات ودور النشر غير الموثوقة.

وحثت على توخي الحذر في التعامل مع نتائج الورقة "ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الورقة قد خضعت لمراجعة صارمة من الأقران قبل النشر".

ووصف أستاذ كيمياء عضوية، يعمل في أحد الجامعات المصرية، تحدث مع #متصدقش المقالة بـ"لا ترقى لمستوى البحث العلمي وهي منشورة في موقع مغمور لا يتم تصنيفه حتى من الدرجة الرابعة على حسب درجات تصنيف المجلات العلمية عالميا".

ثانيًا: مركب كيميائي وهمي

ادعى الباحث أنه أول من حضّر مُركب كيميائي جديد من نوعه سماه "الجلوكوزيدين" وهو ناتج تفاعل بين بيكربونات الصوديوم (البيكنج صودا) والجلوكوز.

و ذكر أن التفاعل حدث عبر "تفاعل استبدال بسيط" بين ذرات بيكربونات الصوديوم والجلوكوز أنتج جزيئات الجلوكوزيدين. (تفاعل الاستبدال هو نوع من التفاعلات الكيميائية حيث يحل فيه عنصر ما محل عنصر آخر وتتكون مواد جديدة)

الحقيقة: ⬇️⬇️

هذا الكلام علميًا غير دقيق.

التفاعل الكيميائي المذكور لم يتم من الأساس، ولا يمكن تخليق "الجلوكوزيدين"، بحسب جوزيبي جومينا، عميد كلية الصيدلة وأستاذ الكيمياء العضوية في برسبيتريان كوليدج Presbyterian College في ولاية كارولينا الجنوبية بالولايات المتحدة الأمريكية.

وقال "بغض النظر عن الاسم الغريب لمركب (الجلوكوزيدين) فإن تركيبته الكيميائية التي رسمها الباحث في الورقة (شكل4) ليس لها أساس في علم الكيمياء.

وشرح "سيؤدي تسخين بيكربونات الصوديوم في محلول الجلوكوز في أحسن الأحوال إلى الحصول على ملح الصوديوم، وربما خليط من مركبات أخرى تشبه الجلوكوز (Isomers)- نظائر".

واستكمل شرحه "لن يحل الصوديوم من جزيئات بيكربونات الصوديوم أبدًا محل الهيدروجين في جزيئات الجلوكوز (يتكون الجلوكوز من ذرات كربون وذرات هيدروجين وأكسجين) -كما ادعى الباحث في تفاعل الاستبدال الذي ذكره في البرنامج- وإذا حدث لن يكون على الصوديوم شحنة موجبة كما تم رسمه في شكل 4".

وأضاف "أن أي ملح به صوديوم مثل هذا المركب سينقسم في الماء على الفور وينتج عنه مركب الجلوكوز وهيدروكسيد الصوديوم (الصودا الكاوية) قبل أن يتفاعل مع الخلايا".

واتفق معه أستاذ كيمياء في أحد الجامعات المصرية: "لا يستقيم هذا التفاعل مع أساسيات علم الكيمياء، وأي طالب في السنة الأولى الجامعية يعرف جيدًا، أن عنصر الصوديوم، شديد الفاعلية في وجود الماء أو الكحول، ويتفاعل تلقائيًا لتكوين الصودا الكاوية، ولا يمكن بأي حال تكوين الجزيء الذي ادعاه منير ورسمه في مقاله". (رسم توضيحي لشكل 4 في التعليقات)

وأوضح في حديثه مع #متصدقش أن الباحث رسم مُركب كيميائي سماه (الجلوكوزيدين)، وادعى أنه جزيء كيميائي به رابطة بين ذرة كربون وذرة صوديوم (تفاعل الاستبدال الذي ذكرناه)، إن هذا المركب "الوهمي" المنشور في ورقته، يحتوي على "مجموعات من جزيئات الكحول بجانب هذه الرابطة الكيميائية المزعومة بين الكربون والصوديوم، لذلك ستتكون الصودا الكاوية (مادة قلوية) قبل أن يتم توجيه المركب المزعوم إلى الخلايا السرطانية، أي أن ما استخدمه منير هو جلوكوز قلوي فقط".

وأشار إلى أن الورقة لا تقدم أي دلائل تثبت صحة البنية الكيميائية للمركب الوهمي، حيث لم يرفق الباحث أي تحاليل كيميائية فيما نشره (هذه التحاليل تتم بأجهزة متطورة تظهر للباحثين بنية المركبات الكيميائية التي يقومون بتحضيرها وتظهر روابطها الكيميائية)، مضيفًا أنه لاحظ عدم وجود أي من أساتذة الكيمياء من جامعة المنصورة كمشرفين على البحث، والمشرف الوحيد هي أستاذة في علم الحيوان (د. أمورة محمد أبو النجا) والكيمياء بعيدة جدًا عن تخصصها الدقيق.

- وفقا للباحثين فإن هذا المركب الوهمي يدحض نتائج البحث تمامًا.

ثالثًا: تجارب محدودة ونتائج مشكوك فيها وغياب إحصائيات

وفقا للورقة المنشورة، أجرى الباحث تجاربه على 4 فئران فقط حقنهم جميعًا بنوع من أنواع سرطان الثدي (EMT6 breast tumor cell line) وقد قسمهم إلى مجموعتين، حقن اثنين بـ 1.5 مللي لتر من محلول "الجلوكوزيدين" واثنين لم يحقنهم به و بدأ قياس حجم الورم يوميًا.

الحقيقة: ⬇️⬇️

سألنا كاثرين هانلون، الأستاذ المشارك في العلوم الصيدلانية، في برسبيتريان كوليدج "Presbyterian College"، عن هذه التجارب ومحدودية العينة، وكان جوابها:

لدي الكثير من التساؤلات والتي تجعلني أود أن أحث على توخي الحذر الشديد في استخلاص أي استنتاجات متعمقة من التجارب التي أجريت في هذا البحث.

لم أجد أي تجارب على الخلايا السليمة، هل هذا المركب يقتل كل الخلايا؟ أم يقتل فقط الخلايا السرطانية؟

تشير الورقة البحثية إلى أنه تم إجراء اختبار تي T-test (اختبار إحصائي للمقارنة بين مجموعتين وتقصد بين الخلايا السرطانية والخلايا السليمة)، إلا أنني لم أجد أي تقارير إحصائية مذكورة عن النتائج داخل الورقة.

لم يذكر الباحث عدد المرات التي كرر فيها إجراء تجربته للتحقق من النتائج، هذا يعني أننا لا نعرف ما إذا كانت البيانات هي صدفة نتيجة إجراء التجربة لمرة واحدة أو إذا كان الباحث كرر التجارب.

أُجريت التجربة على مجموعتين تحتوي كلا منهم على فأرين أي 4 فئران فقط، وهذا بالطبع إحصائيًا لا يجوز، وهذا يعني أنها كانت تجربة ضعيفة للغاية، وهذه النتائج ليست قابلة للنشر (في دورية علمية كبيرة) ولا يمكننا استخلاص نتائج منها مطلقًا.

أُجريت التجارب على خط خلية سرطانية واحدة فقط، وهذا بالطبع غير كافٍ ويجب أن تكون هناك دراسة مهمة لخطوط الخلايا السرطانية الأخرى ذات الملامح الجينية المتنوعة.

لم تذكر الدراسة مقدار المادة الكيميائية التي يمتصها الجهاز الهضمي للوصول إلى موقع الورم، وإذا ما كان سيقتل الخلايا الطبيعية في رحلته؟

إذا نجح المركب في الوصول إلى موقع الورم، هل سيؤثر على درجة قلوية الدم؟ هل سيتسبب في أي آثار جانبية تصيب الكبد والمخ وخلايا الدم الحمراء؟ وإذا كانت هناك مشكلات في وصول المركب إلى الورم، فمن المحتمل أن يتأثر الكبد والدماغ وخلايا الدم الحمراء من آثار سلبية سيئة، لذلك كان من الواجب إجراء تشريح كامل للفئران لتحديد تأثيرات المركب على الكبد والطحال والدم والدماغ وما إلى ذلك.

اختتمت كاثرين تساؤلاتها قائلة "إن هذه النظرية مثيرة للاهتمام، ولكن لا توجد معلومات كافية لاستخلاص أي استنتاج حتى الآن حول فائدة هذا المركب الكيميائي (الجلوكوزيدين) لعلاج الأورام".

تساؤلات مديرة قسم الأبحاث في كلية الصيدلة في برسبيتريان كوليدج الأمريكية، ومخاوفها، اتفق معها كلًا من ليونارد فوستر، أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة بريتش كولومبيا في كندا، و أستاذ فسيولوجيا مصري، يعمل في جامعة خارج البلاد.

وقال ليونارد فوستر، إن هذه ورقة صادمة، ونتائجها مشكوك فيها للغاية. لم يقم الباحثون بأبسط الضوابط لمعرفة كيفية تأثير هذا "الجلوكوزيدين" على الخلايا الطبيعية، مضيفًا إلي أن المؤلفين لا يبدو أن لديهم فهم جيد للكيمياء، واستكمل "لست متأكدًا إذا ما يمكن سحب هذه الورقة البحثية من موقع المجلة، ولكنني واثق جدًا أن ما جاء بها لن يؤدي إلى شيء له معنى".

وذكر أستاذ فسيولوجيا مصري يعمل في جامعة بالخارج ،أن ما نشر لا يرقى أن يكون بحث علمي رصين، ومليئ بالأخطاء العلمية، والإملائية، ولم يخضع لمراجعة الأقران، ولا يمكن وجود مركب مثل هذا كيميائيًا، مضيفًا أن استخدام 4 فئران فقط في مجموعتين أي في كل مجموعة فأرين لا يجوز إحصائيًا.

كيف يمكن وصف ما نشره ماهر منير؟

حاولنا البحث عن أقرب تعريف علمي يصف ما نشره الباحث ماهر منير، أرسلنا رابط المنشور على موقع Cancer advances، لدكتور ومحاضر في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا بولاية نيويورك الأمريكية.

قال لـ#متصدقش "في وضعها الحالي لو تغاضينا عن الأخطاء الكثيرة بما فيها الوسائل الإحصائية، فهي لا تتعدي (بكرم) محاولة Proof of concept، إثبات المفهوم (POC) مشروع تجريبي، يتم تنفيذه لإثبات أن فكرة المنتج أو خطة العمل أو خطة المشروع ممكنة".

المصادر

مراجع التحقق مصادر الادعاء
  • حلقة برنامج مصر تستطيع مع الباحث ماهر منير (د5)
  • يظهر شكل (4) ما يقول الباحث ماهر منير عقل أنه مُركب كيميائي جديد من نوعه سماه "الجلوكوزيدين" يدعي فيه أن ذرة صوديوم Na حلت محل ذرة هيدروجين H في الجلوكوز، وهذا يستحيل علميا كما شرح الباحثون في تعليقهم.

آخر التحقيقات